الأحد، 27 ديسمبر 2009

البحث عن ليلى

http://www.nwrcegypt.org/MediaComments.php?reportid=438&Show=438&ID=१

نجوان سليمان
افتح كتاب الباب المفتوح، أبحث فى صفحاته عن ليلى التى أصبحت سجينة العبارات والكلمات والحروف ، أسئلة بلا إجابة .. أين ليلى ؟ هل مازالت تحيا فى أعماقى ؟ هل مازالت تناضل من أجل الخروج إلى هذا العالم ؟ هل هى على قيد الحياة أم ماتت خلال صراعها من أجل الحياة؟

أتامل صورة ليلى المعلقة على الحائط، يرتسم على وجها ابتسامة عريضة ، أقارن ما بين صورتها و صورتى، أشعر بضائلتى بالمقارنة بـ "ليلى". كانت ليلى أكثر قوة وتحدى منى، ناضلت من أجل حريتها كأمراة وكرامتها كأنسانة .. أما أنا فقد اصبحت استجدئ حقوقى كأمراة واتوسل وأبكى .. أنا الأبنة والزوجة والأم لهذا المجتمع الأبوى .. أحاول أن أتذكر ليلى ..خلال عملية البحث فى أشلاء وبقايا الماضى، أدرك أننى قد تربيت على كراهية ليلى .. قال لى الأب المقدس أن أختى الكبرى أصبحت عاهرة وفاجرة بعدما درست علوم وأداب الكفرة واحتل الشيطان جسدها وأوعز لها أنها أنسانة مساوية للرجل فى الحقوق والواجبات .. أقسم للأب المقدس أننى لن أحذو حذوها .. لن أسير على دربها.. وتطوعت للأنضمام إلى فريق المشجعات .. أصفق للكلمات وعبارات الأب المقدس .. تطوعت لضرب ليلى بالأحجار كلما حاولت الأقتراب من عقلى ووجدانى ساعدت الأب المقدس على صلب ليلى عقابا على تمردها على تقاليد القبيلة.. لسنوات لم أعد أتذكر ليلى ولم تخطر على بالى ..

ولكن نسى الأب المقدس الباب المفتوح على ارفف الكتب المتربة، لم يمزقه أو يحرقه .. أستمر هذا الكتاب لسنوات مركون على الرف .. فى لحظة من لحظات الملل، فتحت الباب وخرجت ليلى إلى عالمى .. كانت ذاكرتى مطموسة .. تحسست يداى ملامح وجها ، لايزال بريق التحدى موجوداَ فى عينها .. حينما ابتسمت ابتسامتها العذبة تذكرتها .. أنها أختى ليلى .. خرساء بكماء ولكنها تستخدم لغة العيون .. كانت ملهوفة لمعرفة أحوالى.. حكيت لها عن معركتى مع الأب المقدس.. لقد سمح لى بأن أظهر وجهى ولكننى تمرددت على أرائه التقدمية ومازالت أناضل من أجل السماح لى بتغطية جسدى ووجهى وطمس أى شئ يبرز أنوثتى.. لن أكون مثل أبنة العم عالية التى اكتفت بتغطية شعرها ولكنها مازالت ترتدى الملابس المستوردة من ما وراء البحار..

ليلى ، هل أحكى لكى عن عشاقى .. أحببت دستة من الرجال .. مملون وأغبياء .. اقنعت كل واحد منهم أنه هو رجلى وحبى الأول والأخير .. جميعهم قد صدقوا أكاذيبى ..
ليلى ، عادت جيوش الرومان إلى اراضيها.. ولدت على الأرض المحررة .. لم يعد فى أوطاننا استعمار ولا مقاومة .. بلاد العرب محررة من جيوش الرومان ولكن بضائع وشعوب الرومان تملئ شوارعنا .. هم حلفائنا الأوفياء .. كثيرا ما يهبوا لنجدتنا، حينما يتصارع أبناء الأب المقدس على عروش الأوهام..

ليلى، أصدر الأب المقدس فرمان.. لقد وهب أجساد الساحرات للأبناء .. لا توجد علامات مميزة للساحرات ولكنهن يتخفين فى ملابس النساء سواء كانت مستوردة من وراء البحار أو من بلاد الشمس المشرقة .. أكثرهن لا يرتدين غطاء الرأس وأوقات كثيرة يتخفين أيضا فى ملابس الحرائر.. يتحرش عشرات الألاف من الأبناء بالساحرات .. هذا العام اخترقت أنياب الأبناء أجساد ما يقارب 20 ألف ساحرة، لم يكترث الأب المقدس كثيرا لشكاوى الساحرات العاهرات الفاجرات..
ليلى ، منذ أشهر أو ربما سنوات تمكنت أحدى الساحرات من زج أحد الأبناء داخل غيبات السجون، حينما حول نبش انيابه فى جسدها .. قال الأب المقدس ساعتها .. لقد ولدت ليلى أخرى .. أمر الجوارى برفع نعلهن فى وجه الساحرة .. لم تسكت الساحرة ولكن الجوارى قطعن ألسنة الساحرات الأخريات ..

ليلى ، لم يعد الأب المقدس يحرق الكتب .. طالما أن الجوارى والغلمان لا يعرفون القراءة والكتابة.. ونادرا ما تتمرد أحد الجوارى أوتحاول القراءة أو التفكير .. مصيرها محتوم .. لقد توج الأب المقدس نفسه كممثل للأدعاء والمحامى والقاضى داخل محاكم التفتيش .. جزائها أم الصلب أو القتل أو النفى فى الصحراء مع صعاليك القبيلة ..

صمتت ليلى المحبوسة فى طيات الكتاب ... تأملت وجهى ، أساريرى وكلماتى .. كلمات بلا صوت ولكنها نجحت فى توصيلها إلى عقلى .. وددت لو صفعتنى أو على الأقل سكبت كوب من الماء البارد على رأسى .. مازالت أنا غارقة فى أحلام واساطير الأب المقدس.. ومازالت ليلى عاجزة عن الكلام ولكنى شعرت بمشاعرها وأفكارها .. لقد نجح الأب المقدس فى ترويض عقلى ووجدانى .. ربانى على تقاليد وعادات الجوارى والحريم ..

أحتضن يد ليلى.. أشد على يدها أتخيل أن طاقة خفية تنتقل من جسدها إلى جسدى .. تحاول إعادة روح التمرد فى قلبى .. أرغب فى سماع كلماتها ولكنها مازالت تعانى من الخرس والبكم .. أهز جسدها المدفون فى طيات الحروف .. ربما أهب لها القدرة على الكلام وتهب لى القدرة على التمرد..

الخميس، 10 ديسمبر 2009

سناء المحيدلى وخيار اللاعنف أو المقاومة المسلحة

نجوان سليمان

8 ديسمبر 2009

منذ أيام ، شاهدت فيلم وثائقي من انتاج قناة الجزيرة ، والذى يتناول تجارب نساء لبنانيات حملن السلاح خلال الحرب الأهلية ومع المقاومة اللبنانية ضد الأحتلال الأسرائيلى.

خلال مشاهدتى للفيلم ، رأيت تصوير وثائقى لكلمة عروس الجنوب سناء المحيدلى والتى قامت بعملية فدائية ضد قوات الأحتلال الأسرائيلى فى أبريل 1985 . هناك أشياء تحفر فى ذاكرة الطفولة من بينها أسم سناء المحيدلى، فعلى الرغم من مرور أكثر من 24 عاما إلا أننى لن استطيع نسيان تلك العملية ، كنت فى الحادية عشر من عمرى ، لم أتابع نشرة المساء ولكن قبل طابور الصباح قصت على زميلة الصف "رانيا" خبر من نشرة الأخبارعملية فدائية ضد جيش الأحتلال الأسرائيلى ولكن الجديد فى الأمر أن منفذ العملية "فتاة لبنانية" ، كنت اموت كمداً و زملائى يسترسلون فى تعليقاتهم على الخبر ووصف الفتاة وشجاعتها. حينما رجعت من المدرسة ، ظللت أتابع برامج التليفزيون كى أشاهد هذا الخبر بالذات ولكن لم يبث التليفزيون الخبر مرة أخرى ، من خلال الصحف عرفت أسم الفتاة " سناء المحيدلى" وايضا أنها تكبرنى بستة أعوام ؟؟!!

لا أدرى لماذا قارنت ما بين خططى المستقبلية وما فعلته سناء المحيدلى .. كانت الجامعة والعمل أهم أولوياتى .. لم أفكر أبدا أنه سيأتى يوما أضطر فيه لتفجير جسدى لتحرير وطنى ، تساءلت كل عدد المراهقات اللاتى سيتبعن خطوات سناء المحيدلى . مع الأيام نسيت هذا السؤال ولكن ذكرننى هذا الفيلم الوثائقى به..

ففى ظل تنامى الدعوة إلى اللاعنف وآليات الحلول السلمية ، هناك تساؤل دائما ما يطرح حول المقاومة المسلحة أو جماعات التمرد المسلحة ، حجم الدمار والقتل خلال الحروب والنزاعات الداخلية دفع بعض النشطاء والمفكرين إلى شجب استخدام العنف ومناهضة الحرب. ولكن يبرز دائما التناقض الأخلاقى فى دعوة الحكومات الغربية إلى شجب وأدانة العنف وبدء المفاوضات بالنسبة للصراع العربى الأسرائيلى، فى الوقت ذاته تقبع قوات الأحتلال الغربية فى العراق وأفغاستان ويتم مناقشة مسألة زيادة عدد قواتها فى أفغانستان. فى الدول العربية ، بدأ النقاش حول المقاومة وسلاحها سواء فى فلسطين أو لبنان ، وتعالت الأنتقادات لتحويل المشاريع التحررية إلى مشاريع سلطوية تسعى إلى مقعد الرئاسة أو الخلافة .. أصبح فساد المقاومة سواء على المستوى المالى والأخلاقى محل سخط الجميع .. و أصبح رجل الشارع يتساءل لماذا المقاومة المسلحة ؟ ولكن ليس إيماناً باللاعنف أو الحلول السلمية ولكن أحباطاً من ممارسات رجال المقاومة ... فهل جاء اليوم الذى تندم فيه فدائيات مثل سناء المحيدلى وزملائها على التضحية بأروحهم؟ هل سوف يأتى يوم نشجب تضحياتهم أو نشعر أنها كانت بلا فائدة ؟ ..

برأيى أن المقاومة المسلحة ستستمر ، فأقبال الشباب على الأنخراط فى جماعات اللاعنف أو المقاومة والجماعات المسلحة هى نتائج لرغبة الحكومات فى اللجوء للقنوات الدبلوماسية أو القمع .. لكن أى أنسان قابع تحت وطأة احتلال له الحق فى أختيار واحد أما أن يكون سلبيا أو مقاوماً.. عندما يستخدم أى أنسان عنف تجاه أنسان أخر ويرفض الأنصياع إلى العقل والمنطق فمن البديهي أن يرد الأخر العنف بعنف مضاد ... اختارت سناء المحيدلى أن تكون مقاومة ولكننى أظن أنها لم تكن لديها رفاهية الأختيار ما بين اللاعنف والمقاومة المسلحة .. منذ شهور بدأت فى قراءة كتاب روبرت فيسك "ويلات وطن" ولكنى لا أستطيع أكمال صفحات هذا الكتاب .. لقد توقفت طويلا عند الأجتياح الأسرائيلى لبنان عام 1982 بالتحديد فى صيدا و لم أستطيع الأستمرار فى قراءة ما حدث.. على الرغم أن تلك الأحداث مرت عليها ما يقارب من 27 عاما وأننى لم أعيش تلك الأحداث وكذلك عملى فى مناطق نزاعات مسلحة لمدة عامين جعلنى أكثر أدراكا لم يحدث من حولى، مع كل هذا أشعر أن قراءة ما حدث مؤلم. ما بالك بفتاة لم تكن تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، قد شاهدت وعاشت وعانت كل هذه الويلات .. كم مرة نجت من الموت بأعجوبة ؟ كم مرة قذفت المدفعية الأسرائيلية منزلها أو مدرستها أو مدينتها ؟ كل مرة شاهدت جثث الأصدقاء أو الأقرباء أو حتى الجيران ؟ كل مرة شعرت بأنها ستكون التالية ؟ . أن عملية سناء المحيدلى كانت رد فعل للظلم والتنكيل الذى وقع على مئات الألاف من أهالى الجنوبى اللبنانى. لقد أختارت أن تقاوم هذا الظلم ولكن فرض عليها أن تستخدم القنابل بدلا من طاولات المفاوضات .. لقد حرمت من حتى الحلم.. كان المستقبل فى عينها أسود حالك الظلم. كان هناك سلاح مرفوع فى وجها .. لم تملك ساعتها إلا أن تستخدم جسدها لكسر هذا الألة العسكرية واذلالها.

سألت نفسى مرات ومرات حول رد فعلى إذا ما واجهت هذا المصير الذى واجهته سناء المحيدلى، هل سأتبع خطواتها وأختار المقاومة بجسدى وروحى أم يكون لدى اختيارات أخرى .. لكننى شعرت أنه من الظلم تقييم تجارب وأختيارات الأخرين طبقا لتجاربنا وقناعاتنا الشخصية .. كما أننا أكثر حظا من الملايين الذين يعيشون تحت وطأة الصراعات والحروب .. على سبيل المثال .. أننى لست عروس الجنوب ..لم أولد فى وطن يعانى من الطائفية ... لم أعانى لمدة عشر سنوات من الحرب الأهلية أوالأحتلال الأجنبى .. لم أكن أستيقظ على صوت طلقات الرصاص أو القذائف.. لم أعرف فى طفولتى المعنى الحقيقى للحرب والقتل والتشريد.. حتى عندما عاصرت تجربة الصراعات المسلحة كان ذلك اختيارى وكان لدى القدرة على الرحيل وانهاء معاناتى بمجرد أن تلمس رجلى أرض الوطن .. أنه من الظلم أن أقييم أختيارات الأخرين طالما أننى لم أعيش معاناتهم ..

أشعر بالأسف .. حينما يقييم صحفى أو سياسى أجنبى أختيارات مقاومين أمثال عروس الجنوب سناء المحيدلى .. سواء كان مؤيدا أو معارضا .. بالرغم من أن عملية المحيدلى ليست محل جدلا فى مدى التزامها بالقانون الدولى الأنسانى وأنها عملية موجهة لقوات أحتلال .. فالتقييم لمثل هذه العمليات ليس موضوعيا و تبرز فيه تجاربنا الذاتية بدلا من إبراز أسباب هذا الأختيار و تحليلها.. وتبدو تعليقاتهم مثل الألهة الأغريقية التى تحكم على الأشخاص بأنهم طيبون أو اشرار .. دون الأخذ بالأعتبار بالظروف التى حددت اختياراتهم وأفعالهم ..

فى النهاية ، أن الشعوب العربية ليست شعوب تتعاطى الموت مثلما يتعاطى البعض المخدرات... وراء اختيار المقاومة ظروف اضطرارية فرضت علي البعض.. وهذه المقاومة ستزدهر وتستمر فى المنطقة طالما أن الأوطان تغتصب بفوهات الدبابات وتنتهك الحقوق برصاص البنادق .. ساعتها سوف يلد الاحساس بالظلم والقهر مئات الالاف من عرائس الجنوب والشمال والشرق والغرب .. وايضا دائما ما تكون نهاية المقاومة المسلحة على طاولات المفاوضات وليس فى ساحات المعارك.. وفاللاعنف والحلول السلمية تنبع من رغبة الطرفين فى التفاوض وأدراكهما المتبادل للخسارة البشرية والمدنية للحروب والرغبة فى تجنب تلك الويلات ، بالأضافة إلى تفهم كل طرف للطرف الأخر ومراعاة احتياجاته وحقوقه.