نجوان سليمان
ابتسم الجرسون وهو يقدم الشاى ، حينما سمعننى أقول لجينا " يا نصابة أنا بأعرفك من أكتر من 25 سنة" ،هل توقف عقارب الزمن ، أما انها لم تكترث كثيرا بما حدث خلال 15 عاما ، حينما قالت "من ساعة ما عرفتك من 10 سنوات وانت زى انت لسه ما أتغيرتيش" هل تتحدث عنى أما عن نفسها.
بالنسبة لى لا أشعر انها لا تختلف كثيرا عن تلك الطفلة ذات الضفائر التى قابلتها منذ أكثر من 25 عاما، لا أتذكر تفاصيل أول لقاء ولكن بدأت صداقتنا منذ أن كنا فى العاشرة، لاتزال ملجئ الوحيد حينما أحن لذكريات الطفولة ، من بينها حكاية الأستاذ فجلة .
كان فجلة هو الأسم الحركى لأحد أساتذتنا ، كان من أحد أعضاء جماعات الأسلام السياسى، .. كانت أسرنا مثل معظم الأسر المصرية ، ترسل بناتهن لتعلم الأسلام وحفظ القرأن فى المسجد. ولكن كان ذلك أول خطوة لتسليم مصيرنا إلى ايدى فجلة وأعوانه
لم ينظر إلينا فجلة على أننا طالبات فى العاشرة من أعمارهن ، يحتاجن للأستمتاع بلحظات الطفولة ولكن نظر إلينا على أننا مشروع نساء المستقبل، يجب عليه أن يقمع الأنثى فى عقولهن وأجسادهن، لم يرحمنا نحول أجسادنا وعدم ظهور أى علامات أنثوية ، فقد أبى فجلة أن يتركنا نستمتع بطفولتنا ، تحول درس التربية الأسلامية فى المسجد إلا حلقة متصلة من التهديد والوعيد.
وطبعا ، كنت أنا وجينا فوضويات بالفطرة ، نستمتع بمعارضة كل شئ سلطوى، كنا نكره النظام الأبوى ، عدم الألتزام بأى تعليمات للأسرة كانت السمة المشتركة بيننا، كثيرا ما كنا نقوم بجولات خارج المنطقة دون أخبار عائلاتنا ولكن كنا حريصات إلا نتأخر حتى نتمكن من الأفلات من العقاب المحتوم . لا أتذكر أننا كنا مشاعبات فى الصف بل على العكس من المتفوقات، كان التمرد الوحيد فى المدرسة يتعلق بالمنافسة المستميتة للأولاد، كنا نتنافس فى كل شئ فى اللعب والدرس .
منذ طفولتنا ، أدركنا أن هناك فارق ما بين الولد والبنت ، لم نكن ندرك السبب ولكن حاولنا إثبات العكس ، حتى قابلنا فجلة .
كان فجلة يتحدث من منظور دينى ، كان الخروج على تعليماته بمثابة معصية التعليمات الألهية، كان يراقب تحركاتنا فى الفصل وفى الشارع ، لم يحاول إقناعنا بتعليماته ولكن علينا السمع والطاعة بدون مناقشة ، لأول مرة لم نستطيع المعارضة أو حتى التساؤل.
ظلت أنفذ تعليمات فجلة لسنوات ، ولكن جينا لاتزال حتى يومنا هذا تنفذ تلك التعليمات ، كنت أسعد حظنا منها، فى مرحلة الجامعة ، شعرت أننى لم أعش أجمل فترة من طفولتى، لم أستطيع توديع مرحلة الطفولة و الانتقال إلى مرحلة المراهقة، لم أشعر بالفرحة بالنضوج .. كان على أن أشوه وأطمس معالم الأنثى الطفلة داخلى حتى لا تغوى الرجال.. حينما أدركت ما فاتنى شعرت بالأسئ وصارحت جينا بما حدث لنا ، وافقتنى الرأى ولكنها لم تدرك قطً ً كيف تستطيع استعادة تلك المرحلة؟ أما أنا فقد صممت على الأستمتاع بكل مرحلة من حياتى ، نجحت أحيانا ولكنى أخفقت كثيراً.
على الرغم من الأختلاف بينى وبين جينا ، إلا انها أقرب أصدقائى إلى قلبى ، هناك قواسم كثيرة مشتركة، من بينها كراهيتنا لأى شخص يعاملنا على أننا نساء، أنها تفضل أن تكون أنسان وأنا أيضا أشعر بالقلق حينما يعاملنى رجل على أننى أمراة ناعمة مكانها البيت ، كثيرا ما تعرض زملائى لضربات قاسية تذكرهم أننى أنسانة مساوية لهم فى الحقوق والواجبات وقادرة على توجيه الصفعات واللكمات لمن يشكك فى قيمتى كأنسانة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق