الاثنين، 11 يناير 2010

أزمة غزة و البرنامج الشاروني

نجوان سليمان
6 يناير 2010

خلال عملية الأنسحاب الأسرائيلى أحادى الجانب من غزة ، لخص دوف فايسجلاس مدير ديوان شارون الدوافع والأهداف الكامنة خلف هذه الخطة بأنها " توفير كمية الفورمالين المطلوبة حتى لا تحدث عملية سياسية مع الفلسطينيين". فالعملية السياسية تعني مجموعة من المفاهيم والالتزامات على رأسها دولة فلسطينية مع كل المخاطر الأمنية التي ينطوي عليها ذلك، وإخلاء مستوطنات وإعادة لاجئين وتقسيم للقدس. بينما كان البرنامج الشاروني لا يتضمن أكثر من حكم ذاتي للفلسطينيين بمسمى دولة على قطاع غزة و42% من الضفة الغربية من دون القدس ولا عودة اللاجئين.
وبعد مرور ما يقارب من خمسة سنوات ، عند قراءة وتحليل مستجدات الأوضاع على الساحة الفلسطينية ، نجد أن هذه الخطة قد احرزت نجاح منقطع النظير. لقد انصبت كل الجهود على تحقيق مصالحة وطنية ما بين حركتى فتح وحماس وأنهاء الحصار المفروض على غزة . وبعدما غابت القيادات الفلسطينية المخضرمة عن الساحة، ولم تعد هناك قضية واضحة المطالب. فقد تزامنت بداية تنفيذ هذه الخطة مع موت أو إغتيال القيادات الفلسطينية ، فمازالت علامات الأستفهام تحوم حول وفاة الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وكذلك إغتيال كلا من الشيخ أحمد ياسين والرنتيسى . ويظهر الآن بوضوح أن جميع الأطراف الفلسطينية والعربية بدون إستثناء قد انزلقت فى تنفيذ أدوارها المكتوبة طبقا للسيناريو الأسرائيلى .
الخيانة أنه التفسير الأزلى المرتبط بالقضية الفلسطينية، لكن لماذا لم نتطرق أبداً لدراسة الجانبين، الجانب العربى والذى تتسم تحركاته برد الفعل المتوقع، والجانب الأسرائيلى والذى يتسم بالعمل طبقا لمخططات مبنية على دراسة جميع الأطراف فى المنطقة وتحليل ردود أفعالها ووضع السيناريوهات المستقبلية لأحتواء ردود الأفعال الكلامية العربية وبل استغلالها لتحقيق مصالحه. فعلى مدى 61 عاما لم تخيب توقعات الساسة الأسرائيليين ، ربما كان الخطأ الوحيد حول نسبة توقعات النجاح لخططهم، ربما كانوا يتوقعون نسبة أقل مما تحققت على أرض الواقع.
حينما نتأمل ما حدث بعد الأعلان عن خطة الأنسحاب الإسرائيلى أحادى الجانب ، منذ اللحظة الأولى ، أنطلقت الأبواق العربية تمجد لأنتصار وهمى للمقاومة، وشربت الأمة العربية من المحيط إلى الخليج من كأس الغرور بالقوة الزائفة، و كانت الأتهامات بالتخاذل والعمالة والخيانة أو على أحسن تقدير الأنتماء إلى فصيل منافس تلاحق كل من حاول إجراء تقييم موضوعى لهذه الخطة أو تطبيق المعايير الموضوعية لتقييم ما أنجزته المقاومة الفلسطينية أو حتى تقديم قراءة مغايرة للأحداث. بينما كانت جماهير المحيط والخليج تحتشد لمشاهدة احتفالات النصر، كانت الترتيبات تعد لتنفيذ الخطوة الثانية من الخطة وهى الانتخابات الفلسطينية.
فى بداية 2006 ، هل خابت التوقعات الإسرائيلية بالنسبة للأنتخابات الفلسطينية؟ أى مراقب أو محلل مبتدئ للأوضاع الفلسطينية كان لابد أن يتوقع فوز حماس. فقد كان الأحباط من السلطة الفلسطينية يسود الشارع الفلسطينى ، لم يعم السلام ما بين الفلسطينيين والأسرائيليين، الأجتياحات الأسرائيلية المتكررة للمدن والقرى الفلسطينية ، وانتشار الإتهامات بالفساد الموجهة لعناصر فتح، بالأضافة إلى إلصاق الفضل للأنسحاب الأسرائيلى من غزة لحركة حماس . كان من المنطقى أن ينتخب رجل الشارع الفلسطينى قائمة حماس نكاية لفساد وتخبط القيادات الفتحاوية.
ومنذ لحظة إعلان نتيجة الأنتخابات، بدأت هوة الخلاف تتسع ما بين فتح وحماس حول إتمام العملية السياسية مع إسرائيل، وكان هذا الفورمالين المطلوب لتنفيذ خطة شارون، لقد غير الجلاد قواعد اللعبة، وبكى متظاهراً أنه هو الضحية، فبدلاً من إلقاء اللوم على إسرائيل ، وقعت حماس فى الفخ الإسرائيلى بعدما طالبتها تل أبيب بالأعتراف بإسرائيل والأتفاقيات الموقعة، كان الاعتراف أو الرفض يعنى الخسارة لحماس، خسارة المعونات الأجنبية أو الشارع الفلسطينى.. لن أخوض كثيرأ فى هذه التفاصيل التى يعرفها الجميع. ولكن رفض حماس للأعتراف بإسرائيل ، جعل الموقف يبدو كما لو أن السلطة الفلسطينية المنتخبة تتذرع من إلتزاماتها مع الجانب الأسرائيلى وتعرقل استمرار المفاوضات ما بين الطرفين، وتصاعدت الأتهامات الإسرائيلية بعدم وجود شريك فلسطينى قادر على المشاركة فى تحقيق السلام . وأصبح الخلاف ما بين حماس وفتح ومحاولات المصالحة ما بين الطرفين والأنفلات الأمنى وتشكيل حكومة وحدة وطنية و قطع المعونات الدولية عن السلطة الفلسطينية هى محاور اهتمام القيادات الفلسطينية والعربية. وتراجعت قضايا القدس واللاجئين والجدار من على الساحة .
فى يونيو 2007 ، كان انقلاب حماس فى غزة مثل نكبة ثانية اصابت القضية الفلسطينية، فعلى مدى ستون عاما تحول الصراع العربى – الأسرائيلى إلى صراع فلسطينى – إسرائيلى ثم إلى صراع فلسطينى – فلسطينى. لتنكمش دوائر الدعم والمساندة إلى أضيق نطاق. لم يكن الأنسحاب الأسرائيلى ونجاح حماس فى الأنتخابات التشريعية و إستيلاء حماس على غزة فقط فرصة للتهرب إسرائيل من مسئولياتها تجاه القطاع كدولة أحتلال ولكن ايضا فرصة ذهبية للتجميد الوضع كما هو عليه، فالدولة الفلسطينية وتقسيم القدس وعودة اللاجئين أشبه بالمستحيلات فى السياسة الشارونية. فى الوقت ذاته ، يدرك الإسرائيليون جيداً أن دولتهم قد نشأت بفضل التعاطف الغربى مع ضحايا المحرقة، وفى جميع الأحوال لا ترغب إسرائيل فى خسارة هذا التعاطف الذى يعنى خسارة دعم غربى . فالمحرقة من ركائز السياسة الأسرائيلية، وهناك دائما تهويل من قدرات الجيران العرب ورغبتهم فى تدمير إسرائيل وهو ما يعنى محرقة أخرى لليهود ، وظهر هذا الأتجاه قبل نكسة 67 وحتى الأن مازالت تستخدم إسرائيل سياسة التهويل بالأمكانيات العسكرية العربية.
والجدير بالذكر ، أنه بالرغم من غياب شارون من على الساحة ولكن خطته نفذت بجدارة، فالخطط الإسرائيلية ليست مرتبطة بقائد يمينى أو يسارى، ولكنها مرتبطة بسياسات الدولة العبرية الراسخة منذ نشأتها وما الأحزاب اليمنية أو اليسارية إلا ماكياج للتجميل فقط. ويرجع الفضل فى تنفيذ الخطة إلى واحدة من تلاميذ شارون وهى وزيرة الخارجية تسيبى ليفنى، التى تفوقت على اساتذتها فى ولائها للدولة العبرية وإنكار مصالحها الشخصية فى مقابل مصالح دولتها . لقد شاركت ليفنى فى رسم معالم خطة الأنسحاب الأسرائيلى من غزة وتزكية الخلافات الفلسطينية وتقريب وجهات النظر العربية الأسرائيلية ، وأصبحت ليفنى وجهاً إعلاميا كثيرا ما نشاهده على شاشات الفضائيات العربية . لم تكتفى بذلك ولكنها دشنت فكرة خطر وجود أول أمارة أسلامية فى قطاع غزة، مستغلة ذعر الحكومات العربية من جماعات الأسلام السياسى. لقد كللت جهودها بالنجاح بعد استيلاء حماس على غزة ، والذى كان بمثابة ناقوس خطر لمصر ينذر بإمكانية تكرار هذا السيناريو مع جماعة الأخوان المسلمين الأب الروحى لحركة حماس..
لن أخوض كثيرا فى تداعيات استيلاء حماس على القطاع أو الذعر من أمارة إسلامية عربية أو الحرب الأسرائيلية على غزة فى أواخر 2008 وبداية 2009 . ولكن يكفى ذكر أن القضية الفلسطينية اليوم لم تعد تتمحور حول حل الدولة الواحدة أو الدولتين أو حتى حدود 67، ولقد غابت القدس عن الأذهان ونسى العرب اللاجئين وجدار الفصل العنصرى ،و للأسف أصبحت محاور القضية الفلسطينية الرئيسية مشكلة دخول قافلة شريان الحياة من ميناء نوبيع أو ميناء العريش ومنع دخول مجموعة من النشطاء الأجانب لغزة عن طريق معبر رفح والجدار الفولاذى ما بين قطاع غزة ومصر. واليوم ، قتل قناص لجندى مصرى وجرح فلسطينيان على الحدود .
ما ذكرته ليس جديدا، بل ذكره عدد من المحللين من قبل ولكن فى غمرة النشوة بانتصار زائف نعجز عن رؤية الحقيقة ونساق إلى المذبح فى صمت .
فى النهاية ،لن أنزلق لهاوية الدفاع أو الأدانة ، الجميع ضحايا وجلادون فى الوقت ذاته، لقد جلدنا أنفسنا حينما تخلينا عن العقل وجلسنا على مقاعد المتفرجين نبتسم ببلاهة أو ننوح أو نستنكر بينما استلم الأسرائيليين زمام الأمور، لم نحاول تغيير قواعد اللعبة السياسية إلى صالح شعوب المنطقة العربية ، تحكمت الذاتية والمصالح الشخصية فى الأختيارات السياسية المصيرية، فتحولت قضية شعب اقتلع من أرضه وطرد من وطنه إلى مهترات ما بين حماس الفصيل الفلسطينى والحكومة المصرية . هل ستحل مشاكل قطاع غزة بدخول قافلة جالاوى سواء من نوبيع أو العريش ؟ هل ستتوقف الأعتداءات الأسرائيلية فى حالة وجود أو عدم وجود أنفاق ما بين غزة ومصر وبناء الجدار الفولاذى ؟ هل ستحل إشكاليات القدس واللاجئين وجدار الفصل العنصرى والتميز داخل الدولة العبرية ما بين العرب واليهود بأنقسام الشارع الفلسطينى وتأييد العرب لحكومة فتح أو حكومة حماس؟
أدرك مسئولية النظام المصرى والعالم أجمع تجاه الأزمة الأنسانية فى غزة، تجاه توفير الغذاء والدواء والمسكن لأبناء القطاع ، لا أحاول تجميل وجه على حساب الأخر، الجميع فى موقف لا يحسد عليه ، توجيه الأتهامات لن يحل الأشكاليات ولكن تحمل هذه المسئولية الملقاة على عاتق الجميع .
ردود الأفعال الكلامية لن تنهى المأساة الأنسانية فى غزة بل تساعد على تعقيد الأمور. ولكن الأخلاص فى العمل سواء كنا شعوب أو قيادات سياسية من أجل قضية عربية هى قضية فلسطين وليس من أجل مصالح شخصية. إذا ما توقفنا عن النضال من أجل نجاحات شخصية ساعتها ستكون الشعوب العربية قادرة على الأمساك بزمام الأمور وتغيير الواقع المرير فى الأراضى الفلسطينية . عندما يحدث ذلك سيظهر فجر اليوم التى تكون فيه الشعوب العربية قادرة على صناعة الأحداث وليس ردود أفعال .

الأحد، 27 ديسمبر 2009

البحث عن ليلى

http://www.nwrcegypt.org/MediaComments.php?reportid=438&Show=438&ID=१

نجوان سليمان
افتح كتاب الباب المفتوح، أبحث فى صفحاته عن ليلى التى أصبحت سجينة العبارات والكلمات والحروف ، أسئلة بلا إجابة .. أين ليلى ؟ هل مازالت تحيا فى أعماقى ؟ هل مازالت تناضل من أجل الخروج إلى هذا العالم ؟ هل هى على قيد الحياة أم ماتت خلال صراعها من أجل الحياة؟

أتامل صورة ليلى المعلقة على الحائط، يرتسم على وجها ابتسامة عريضة ، أقارن ما بين صورتها و صورتى، أشعر بضائلتى بالمقارنة بـ "ليلى". كانت ليلى أكثر قوة وتحدى منى، ناضلت من أجل حريتها كأمراة وكرامتها كأنسانة .. أما أنا فقد اصبحت استجدئ حقوقى كأمراة واتوسل وأبكى .. أنا الأبنة والزوجة والأم لهذا المجتمع الأبوى .. أحاول أن أتذكر ليلى ..خلال عملية البحث فى أشلاء وبقايا الماضى، أدرك أننى قد تربيت على كراهية ليلى .. قال لى الأب المقدس أن أختى الكبرى أصبحت عاهرة وفاجرة بعدما درست علوم وأداب الكفرة واحتل الشيطان جسدها وأوعز لها أنها أنسانة مساوية للرجل فى الحقوق والواجبات .. أقسم للأب المقدس أننى لن أحذو حذوها .. لن أسير على دربها.. وتطوعت للأنضمام إلى فريق المشجعات .. أصفق للكلمات وعبارات الأب المقدس .. تطوعت لضرب ليلى بالأحجار كلما حاولت الأقتراب من عقلى ووجدانى ساعدت الأب المقدس على صلب ليلى عقابا على تمردها على تقاليد القبيلة.. لسنوات لم أعد أتذكر ليلى ولم تخطر على بالى ..

ولكن نسى الأب المقدس الباب المفتوح على ارفف الكتب المتربة، لم يمزقه أو يحرقه .. أستمر هذا الكتاب لسنوات مركون على الرف .. فى لحظة من لحظات الملل، فتحت الباب وخرجت ليلى إلى عالمى .. كانت ذاكرتى مطموسة .. تحسست يداى ملامح وجها ، لايزال بريق التحدى موجوداَ فى عينها .. حينما ابتسمت ابتسامتها العذبة تذكرتها .. أنها أختى ليلى .. خرساء بكماء ولكنها تستخدم لغة العيون .. كانت ملهوفة لمعرفة أحوالى.. حكيت لها عن معركتى مع الأب المقدس.. لقد سمح لى بأن أظهر وجهى ولكننى تمرددت على أرائه التقدمية ومازالت أناضل من أجل السماح لى بتغطية جسدى ووجهى وطمس أى شئ يبرز أنوثتى.. لن أكون مثل أبنة العم عالية التى اكتفت بتغطية شعرها ولكنها مازالت ترتدى الملابس المستوردة من ما وراء البحار..

ليلى ، هل أحكى لكى عن عشاقى .. أحببت دستة من الرجال .. مملون وأغبياء .. اقنعت كل واحد منهم أنه هو رجلى وحبى الأول والأخير .. جميعهم قد صدقوا أكاذيبى ..
ليلى ، عادت جيوش الرومان إلى اراضيها.. ولدت على الأرض المحررة .. لم يعد فى أوطاننا استعمار ولا مقاومة .. بلاد العرب محررة من جيوش الرومان ولكن بضائع وشعوب الرومان تملئ شوارعنا .. هم حلفائنا الأوفياء .. كثيرا ما يهبوا لنجدتنا، حينما يتصارع أبناء الأب المقدس على عروش الأوهام..

ليلى، أصدر الأب المقدس فرمان.. لقد وهب أجساد الساحرات للأبناء .. لا توجد علامات مميزة للساحرات ولكنهن يتخفين فى ملابس النساء سواء كانت مستوردة من وراء البحار أو من بلاد الشمس المشرقة .. أكثرهن لا يرتدين غطاء الرأس وأوقات كثيرة يتخفين أيضا فى ملابس الحرائر.. يتحرش عشرات الألاف من الأبناء بالساحرات .. هذا العام اخترقت أنياب الأبناء أجساد ما يقارب 20 ألف ساحرة، لم يكترث الأب المقدس كثيرا لشكاوى الساحرات العاهرات الفاجرات..
ليلى ، منذ أشهر أو ربما سنوات تمكنت أحدى الساحرات من زج أحد الأبناء داخل غيبات السجون، حينما حول نبش انيابه فى جسدها .. قال الأب المقدس ساعتها .. لقد ولدت ليلى أخرى .. أمر الجوارى برفع نعلهن فى وجه الساحرة .. لم تسكت الساحرة ولكن الجوارى قطعن ألسنة الساحرات الأخريات ..

ليلى ، لم يعد الأب المقدس يحرق الكتب .. طالما أن الجوارى والغلمان لا يعرفون القراءة والكتابة.. ونادرا ما تتمرد أحد الجوارى أوتحاول القراءة أو التفكير .. مصيرها محتوم .. لقد توج الأب المقدس نفسه كممثل للأدعاء والمحامى والقاضى داخل محاكم التفتيش .. جزائها أم الصلب أو القتل أو النفى فى الصحراء مع صعاليك القبيلة ..

صمتت ليلى المحبوسة فى طيات الكتاب ... تأملت وجهى ، أساريرى وكلماتى .. كلمات بلا صوت ولكنها نجحت فى توصيلها إلى عقلى .. وددت لو صفعتنى أو على الأقل سكبت كوب من الماء البارد على رأسى .. مازالت أنا غارقة فى أحلام واساطير الأب المقدس.. ومازالت ليلى عاجزة عن الكلام ولكنى شعرت بمشاعرها وأفكارها .. لقد نجح الأب المقدس فى ترويض عقلى ووجدانى .. ربانى على تقاليد وعادات الجوارى والحريم ..

أحتضن يد ليلى.. أشد على يدها أتخيل أن طاقة خفية تنتقل من جسدها إلى جسدى .. تحاول إعادة روح التمرد فى قلبى .. أرغب فى سماع كلماتها ولكنها مازالت تعانى من الخرس والبكم .. أهز جسدها المدفون فى طيات الحروف .. ربما أهب لها القدرة على الكلام وتهب لى القدرة على التمرد..

الخميس، 10 ديسمبر 2009

سناء المحيدلى وخيار اللاعنف أو المقاومة المسلحة

نجوان سليمان

8 ديسمبر 2009

منذ أيام ، شاهدت فيلم وثائقي من انتاج قناة الجزيرة ، والذى يتناول تجارب نساء لبنانيات حملن السلاح خلال الحرب الأهلية ومع المقاومة اللبنانية ضد الأحتلال الأسرائيلى.

خلال مشاهدتى للفيلم ، رأيت تصوير وثائقى لكلمة عروس الجنوب سناء المحيدلى والتى قامت بعملية فدائية ضد قوات الأحتلال الأسرائيلى فى أبريل 1985 . هناك أشياء تحفر فى ذاكرة الطفولة من بينها أسم سناء المحيدلى، فعلى الرغم من مرور أكثر من 24 عاما إلا أننى لن استطيع نسيان تلك العملية ، كنت فى الحادية عشر من عمرى ، لم أتابع نشرة المساء ولكن قبل طابور الصباح قصت على زميلة الصف "رانيا" خبر من نشرة الأخبارعملية فدائية ضد جيش الأحتلال الأسرائيلى ولكن الجديد فى الأمر أن منفذ العملية "فتاة لبنانية" ، كنت اموت كمداً و زملائى يسترسلون فى تعليقاتهم على الخبر ووصف الفتاة وشجاعتها. حينما رجعت من المدرسة ، ظللت أتابع برامج التليفزيون كى أشاهد هذا الخبر بالذات ولكن لم يبث التليفزيون الخبر مرة أخرى ، من خلال الصحف عرفت أسم الفتاة " سناء المحيدلى" وايضا أنها تكبرنى بستة أعوام ؟؟!!

لا أدرى لماذا قارنت ما بين خططى المستقبلية وما فعلته سناء المحيدلى .. كانت الجامعة والعمل أهم أولوياتى .. لم أفكر أبدا أنه سيأتى يوما أضطر فيه لتفجير جسدى لتحرير وطنى ، تساءلت كل عدد المراهقات اللاتى سيتبعن خطوات سناء المحيدلى . مع الأيام نسيت هذا السؤال ولكن ذكرننى هذا الفيلم الوثائقى به..

ففى ظل تنامى الدعوة إلى اللاعنف وآليات الحلول السلمية ، هناك تساؤل دائما ما يطرح حول المقاومة المسلحة أو جماعات التمرد المسلحة ، حجم الدمار والقتل خلال الحروب والنزاعات الداخلية دفع بعض النشطاء والمفكرين إلى شجب استخدام العنف ومناهضة الحرب. ولكن يبرز دائما التناقض الأخلاقى فى دعوة الحكومات الغربية إلى شجب وأدانة العنف وبدء المفاوضات بالنسبة للصراع العربى الأسرائيلى، فى الوقت ذاته تقبع قوات الأحتلال الغربية فى العراق وأفغاستان ويتم مناقشة مسألة زيادة عدد قواتها فى أفغانستان. فى الدول العربية ، بدأ النقاش حول المقاومة وسلاحها سواء فى فلسطين أو لبنان ، وتعالت الأنتقادات لتحويل المشاريع التحررية إلى مشاريع سلطوية تسعى إلى مقعد الرئاسة أو الخلافة .. أصبح فساد المقاومة سواء على المستوى المالى والأخلاقى محل سخط الجميع .. و أصبح رجل الشارع يتساءل لماذا المقاومة المسلحة ؟ ولكن ليس إيماناً باللاعنف أو الحلول السلمية ولكن أحباطاً من ممارسات رجال المقاومة ... فهل جاء اليوم الذى تندم فيه فدائيات مثل سناء المحيدلى وزملائها على التضحية بأروحهم؟ هل سوف يأتى يوم نشجب تضحياتهم أو نشعر أنها كانت بلا فائدة ؟ ..

برأيى أن المقاومة المسلحة ستستمر ، فأقبال الشباب على الأنخراط فى جماعات اللاعنف أو المقاومة والجماعات المسلحة هى نتائج لرغبة الحكومات فى اللجوء للقنوات الدبلوماسية أو القمع .. لكن أى أنسان قابع تحت وطأة احتلال له الحق فى أختيار واحد أما أن يكون سلبيا أو مقاوماً.. عندما يستخدم أى أنسان عنف تجاه أنسان أخر ويرفض الأنصياع إلى العقل والمنطق فمن البديهي أن يرد الأخر العنف بعنف مضاد ... اختارت سناء المحيدلى أن تكون مقاومة ولكننى أظن أنها لم تكن لديها رفاهية الأختيار ما بين اللاعنف والمقاومة المسلحة .. منذ شهور بدأت فى قراءة كتاب روبرت فيسك "ويلات وطن" ولكنى لا أستطيع أكمال صفحات هذا الكتاب .. لقد توقفت طويلا عند الأجتياح الأسرائيلى لبنان عام 1982 بالتحديد فى صيدا و لم أستطيع الأستمرار فى قراءة ما حدث.. على الرغم أن تلك الأحداث مرت عليها ما يقارب من 27 عاما وأننى لم أعيش تلك الأحداث وكذلك عملى فى مناطق نزاعات مسلحة لمدة عامين جعلنى أكثر أدراكا لم يحدث من حولى، مع كل هذا أشعر أن قراءة ما حدث مؤلم. ما بالك بفتاة لم تكن تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، قد شاهدت وعاشت وعانت كل هذه الويلات .. كم مرة نجت من الموت بأعجوبة ؟ كم مرة قذفت المدفعية الأسرائيلية منزلها أو مدرستها أو مدينتها ؟ كل مرة شاهدت جثث الأصدقاء أو الأقرباء أو حتى الجيران ؟ كل مرة شعرت بأنها ستكون التالية ؟ . أن عملية سناء المحيدلى كانت رد فعل للظلم والتنكيل الذى وقع على مئات الألاف من أهالى الجنوبى اللبنانى. لقد أختارت أن تقاوم هذا الظلم ولكن فرض عليها أن تستخدم القنابل بدلا من طاولات المفاوضات .. لقد حرمت من حتى الحلم.. كان المستقبل فى عينها أسود حالك الظلم. كان هناك سلاح مرفوع فى وجها .. لم تملك ساعتها إلا أن تستخدم جسدها لكسر هذا الألة العسكرية واذلالها.

سألت نفسى مرات ومرات حول رد فعلى إذا ما واجهت هذا المصير الذى واجهته سناء المحيدلى، هل سأتبع خطواتها وأختار المقاومة بجسدى وروحى أم يكون لدى اختيارات أخرى .. لكننى شعرت أنه من الظلم تقييم تجارب وأختيارات الأخرين طبقا لتجاربنا وقناعاتنا الشخصية .. كما أننا أكثر حظا من الملايين الذين يعيشون تحت وطأة الصراعات والحروب .. على سبيل المثال .. أننى لست عروس الجنوب ..لم أولد فى وطن يعانى من الطائفية ... لم أعانى لمدة عشر سنوات من الحرب الأهلية أوالأحتلال الأجنبى .. لم أكن أستيقظ على صوت طلقات الرصاص أو القذائف.. لم أعرف فى طفولتى المعنى الحقيقى للحرب والقتل والتشريد.. حتى عندما عاصرت تجربة الصراعات المسلحة كان ذلك اختيارى وكان لدى القدرة على الرحيل وانهاء معاناتى بمجرد أن تلمس رجلى أرض الوطن .. أنه من الظلم أن أقييم أختيارات الأخرين طالما أننى لم أعيش معاناتهم ..

أشعر بالأسف .. حينما يقييم صحفى أو سياسى أجنبى أختيارات مقاومين أمثال عروس الجنوب سناء المحيدلى .. سواء كان مؤيدا أو معارضا .. بالرغم من أن عملية المحيدلى ليست محل جدلا فى مدى التزامها بالقانون الدولى الأنسانى وأنها عملية موجهة لقوات أحتلال .. فالتقييم لمثل هذه العمليات ليس موضوعيا و تبرز فيه تجاربنا الذاتية بدلا من إبراز أسباب هذا الأختيار و تحليلها.. وتبدو تعليقاتهم مثل الألهة الأغريقية التى تحكم على الأشخاص بأنهم طيبون أو اشرار .. دون الأخذ بالأعتبار بالظروف التى حددت اختياراتهم وأفعالهم ..

فى النهاية ، أن الشعوب العربية ليست شعوب تتعاطى الموت مثلما يتعاطى البعض المخدرات... وراء اختيار المقاومة ظروف اضطرارية فرضت علي البعض.. وهذه المقاومة ستزدهر وتستمر فى المنطقة طالما أن الأوطان تغتصب بفوهات الدبابات وتنتهك الحقوق برصاص البنادق .. ساعتها سوف يلد الاحساس بالظلم والقهر مئات الالاف من عرائس الجنوب والشمال والشرق والغرب .. وايضا دائما ما تكون نهاية المقاومة المسلحة على طاولات المفاوضات وليس فى ساحات المعارك.. وفاللاعنف والحلول السلمية تنبع من رغبة الطرفين فى التفاوض وأدراكهما المتبادل للخسارة البشرية والمدنية للحروب والرغبة فى تجنب تلك الويلات ، بالأضافة إلى تفهم كل طرف للطرف الأخر ومراعاة احتياجاته وحقوقه.

الخميس، 5 نوفمبر 2009

جينا ونجوى والأستاذ فجلة

نجوان سليمان

ابتسم الجرسون وهو يقدم الشاى ، حينما سمعننى أقول لجينا " يا نصابة أنا بأعرفك من أكتر من 25 سنة" ،هل توقف عقارب الزمن ، أما انها لم تكترث كثيرا بما حدث خلال 15 عاما ، حينما قالت "من ساعة ما عرفتك من 10 سنوات وانت زى انت لسه ما أتغيرتيش" هل تتحدث عنى أما عن نفسها.

بالنسبة لى لا أشعر انها لا تختلف كثيرا عن تلك الطفلة ذات الضفائر التى قابلتها منذ أكثر من 25 عاما، لا أتذكر تفاصيل أول لقاء ولكن بدأت صداقتنا منذ أن كنا فى العاشرة، لاتزال ملجئ الوحيد حينما أحن لذكريات الطفولة ، من بينها حكاية الأستاذ فجلة .

كان فجلة هو الأسم الحركى لأحد أساتذتنا ، كان من أحد أعضاء جماعات الأسلام السياسى، .. كانت أسرنا مثل معظم الأسر المصرية ، ترسل بناتهن لتعلم الأسلام وحفظ القرأن فى المسجد. ولكن كان ذلك أول خطوة لتسليم مصيرنا إلى ايدى فجلة وأعوانه

لم ينظر إلينا فجلة على أننا طالبات فى العاشرة من أعمارهن ، يحتاجن للأستمتاع بلحظات الطفولة ولكن نظر إلينا على أننا مشروع نساء المستقبل، يجب عليه أن يقمع الأنثى فى عقولهن وأجسادهن، لم يرحمنا نحول أجسادنا وعدم ظهور أى علامات أنثوية ، فقد أبى فجلة أن يتركنا نستمتع بطفولتنا ، تحول درس التربية الأسلامية فى المسجد إلا حلقة متصلة من التهديد والوعيد.

وطبعا ، كنت أنا وجينا فوضويات بالفطرة ، نستمتع بمعارضة كل شئ سلطوى، كنا نكره النظام الأبوى ، عدم الألتزام بأى تعليمات للأسرة كانت السمة المشتركة بيننا، كثيرا ما كنا نقوم بجولات خارج المنطقة دون أخبار عائلاتنا ولكن كنا حريصات إلا نتأخر حتى نتمكن من الأفلات من العقاب المحتوم . لا أتذكر أننا كنا مشاعبات فى الصف بل على العكس من المتفوقات، كان التمرد الوحيد فى المدرسة يتعلق بالمنافسة المستميتة للأولاد، كنا نتنافس فى كل شئ فى اللعب والدرس .

منذ طفولتنا ، أدركنا أن هناك فارق ما بين الولد والبنت ، لم نكن ندرك السبب ولكن حاولنا إثبات العكس ، حتى قابلنا فجلة .

كان فجلة يتحدث من منظور دينى ، كان الخروج على تعليماته بمثابة معصية التعليمات الألهية، كان يراقب تحركاتنا فى الفصل وفى الشارع ، لم يحاول إقناعنا بتعليماته ولكن علينا السمع والطاعة بدون مناقشة ، لأول مرة لم نستطيع المعارضة أو حتى التساؤل.

ظلت أنفذ تعليمات فجلة لسنوات ، ولكن جينا لاتزال حتى يومنا هذا تنفذ تلك التعليمات ، كنت أسعد حظنا منها، فى مرحلة الجامعة ، شعرت أننى لم أعش أجمل فترة من طفولتى، لم أستطيع توديع مرحلة الطفولة و الانتقال إلى مرحلة المراهقة، لم أشعر بالفرحة بالنضوج .. كان على أن أشوه وأطمس معالم الأنثى الطفلة داخلى حتى لا تغوى الرجال.. حينما أدركت ما فاتنى شعرت بالأسئ وصارحت جينا بما حدث لنا ، وافقتنى الرأى ولكنها لم تدرك قطً ً كيف تستطيع استعادة تلك المرحلة؟ أما أنا فقد صممت على الأستمتاع بكل مرحلة من حياتى ، نجحت أحيانا ولكنى أخفقت كثيراً.

على الرغم من الأختلاف بينى وبين جينا ، إلا انها أقرب أصدقائى إلى قلبى ، هناك قواسم كثيرة مشتركة، من بينها كراهيتنا لأى شخص يعاملنا على أننا نساء، أنها تفضل أن تكون أنسان وأنا أيضا أشعر بالقلق حينما يعاملنى رجل على أننى أمراة ناعمة مكانها البيت ، كثيرا ما تعرض زملائى لضربات قاسية تذكرهم أننى أنسانة مساوية لهم فى الحقوق والواجبات وقادرة على توجيه الصفعات واللكمات لمن يشكك فى قيمتى كأنسانة .

الأحد، 25 أكتوبر 2009

تأملات فى الكذبة الصينية والأزدواجية المصرية

نجوان سليمان

منذ عدة أيام ، نشرت أحدى الصحف المصرية إعلان عن إتجاه شركة صينية لتوريد "غشاء بكارة صناعى" بتكلفة 15 دولارا للأسواق المصرية

لم تكن تلك المرة الأولى التى يطرح فيها موضوع ترقيع غشاء البكارة على الساحة، فقد طرح أكثر من مرة، بل تم تناوله فى عدد من الأعمال سينمائية مثل أفلام "إنذار بالطاعة ويا دنيا يا غرامى .. وغيرها "، إلا أن إعلان الشركة الصينية قد أثار مرة أخرى حالة من النقاش والجدل فى الشارع المصرى، بالطبع تمت مناقشته من زاوية إخلاقيات وعادات المجتمع المصرى والتحريض على ممارسة الرذيلة أو الستر وتجنب الفضائح . وعارضت الأغلبية هذا المنتج بشدة بوصفه تهديد للأخلاق ومحرض على الرذيلة ، أما الفئة المستهلكة المحتاجة لمثل هذه المنتجات فقد نأت بنفسها عن التعليق على الخبر. إلا أننى أود مناقشة هذا الموضوع من وجهة نظر مغايرة ، لا تهتم بتأييد فريق أو معارضة أخر ، ولا تسعى إلى تنصيب نفسها حارسا للعادات والتقاليد أو معارضتها. ولكن رؤية تدعو إلى تأمل الأوضاع الحالية والأزدواجية المتزايدة للمجتمع المصرى والتى أدت بالصينين إلى إبتكار" كذبة بيضاء " لمساعدة المصريين على الأستمرار فى الهروب من مواجهة الأشكاليات الإجتماعية والتذرع بالستر أو أى حجج واهية .

حينما قرأت هذا الخبر ، قفزت فى ذهنى صورة إجتماع رجال أعمال صينيين وعلماء أجتماع وأطباء وكذلك متخصص فى الشأن المصرى. بدأ المتخصصون فى شرح عادات الزواج فى مصر ، تبجيل المصريين لبكارة الأنثى بوصفها رمزاً لشرف العائلة ومعيار قبلى لمقدرة الذكور على حماية وإبعاد طالبى المتعة اللحظية عن أناثهن. كما أسهب فى وصف تداعيات فقدان البكارة وتأثيراتها النفسية والأجتماعية على الفتاة وعائلتها والتى بدورها قد لا تجد مفراً فى بعض الأحيان إلا غسل العار بالدم ، حتى دون محاولة التطرق أو معرفة أسباب فقدان البكارة سواء كان ذاك نتيجة التعرض لحادث فى الصغر أو إغتصاب أو إقامة علاقة جنسية خارج إطار الزواج أو أى سبب طبى أخر. ولم ينسى الخبراء الصينيون عرض فيلم تسجيلى يتضمن إعترافات سرية لفتيات مصريات . وفى النهاية، استعرض أحد المتخصصين أرقام وإحصائيات متعلقة بحوادث الأغتصاب التى وصلت إلى 20 ألف حالة سنويا وكذلك إحصائيات عن العلاقات خارج إطار الزواج ما بين طلبة الجامعات وأضاف أن هذه العلاقات بدأت فى الأنتشار ما بين طلاب المدارس الثانوية والأعدادية. وعرض أحد الأطباء الحل والذى يتمثل فى " غشاء بكارة صناعى " بتكلفة قليلة ومميزات جديدة . أما الخبير الأقتصادى فأنه قدر حاجة السوق المصرى بناء على هذه الدراسات والأحصائيات إلى مئات الألاف أو ربما ملايين من " الكذبة الصينية" .

ما أراه مثيراً للدهشة فى هذا الأمر هو إهتمام الصينيين بالأشكاليات الأجتماعية الموجودة فى المجتمع المصرى ، هذا الأهتمام النابع من الرغبة فى تحقيق أعلى مكسب مادى ممكن من السوق المصرى على وجه الخصوص والعربى بصورة عامة، فى المقابل أجد أن لا المكسب المادى ولا الخسارة الأجتماعية دفعت المجتمع المصرى لمناقشة المشكلة ، فمازال مجتمع النخبة والعامة يتجاهلون مناقشة تلك الأشكاليات و يستمرون فى دفن رؤوسهم بالرمال و الكذب على الذات، وهو ما أدى بالصينيين بمد يد المساعدة ب" كذبة بيضاء " تساعد المجتمع المصرى على الأستمرار فى إزدواجيته .

على الجانب الأخر ، أحاول فهم دوافع أى فتاة للأقبال على استخدام تلك الوسائل المنتشرة، ربما كانت واحدة من 20 ألف إمراة من ضحايا الأغتصاب، استغل ذئب بشرى غفلة المجتمع فاغتصبها ، وأجبرتها نظرة المجتمع إليها باعتبارها المسئولة الرئيسية عما حدث على التكتم وابتلاع مرارة الأحساس بالغدر والأمتهان فى صمت. والآن لا يجبرها فقط بالاستمرار فى الكتمان ولكن إيضا الكذب على رجل من المفترض أن يتشاركا سويا حياتهما، بهذا يكون المجتمع قد خذلها مرتين، المرأة الأولى حينما لم يوفر لها الأمن والثانية حينما حملها المسئولية ودفعها إلى المدارة والكذب على شريك الحياة. أو ربما تكون فتاة قد تعرضت لحادث خلال ممارسةالألعاب الرياضية. وعلى أسوء تقدير ، أنها فتاة مارست الجنس مع رجل دون أى علاقة زوجية أو بورقة زواج عرفى، وما يندرج تحت هذه الشريحة من قصص وسيناريوهات مختلفة: الولد استغل ساذجة البنت ، وعدها بالزواج ولكنه بعد ذلك خلع، البطالة وتكاليف الزواج ، كيف يتزوجها بعد ما حدث..إلخ. برأى أنه مهما اختلفت الأسباب ، فأن الرجل والمرأة فى مثل هذه العلاقات قد أختارا التمرد على التقاليد والعادات، ولذلك يجب عليهما تحمل مسئولية هذا التمرد. ومن البديهى أن تواجه تلك العلاقات المتمردة على التقاليد والعادات رفض ومعاداة المجتمع وكذلك مشاكل ومعوقات تؤدى فى الغالب إلى عدم قدرتها على الاستمرار. ولكن بعد الفشل الذريع ، يسعى الرجل للبحث عن إمراة بلا أى تجارب سابقة مع الرجل، كما أن المرأة تحاول الإيقاع برجل أخر بأى وسيلة متاحة والأرتباط به وتتفنن فى التمثيل وإيهامه بأنه الرجل الوحيد الذى دخل حياتها ، ولا مانع من استخدام أى وسيلة بدأ من حيل الدايات أو العمليات الجراحية أو حتى الكذبة الصينية. وفى بعض الأحيان، يتم ذلك بمعرفة وتوجيه أسر بعض الفتيات أو مساعدة بعض الأصدقاء.

وحتى الآن لم يستطيع رجال الدين حسم هذه المشكلة أو الأتفاق على حكم شرعى لترقيع غشاء البكارة ، فقد رأى المفتي الدكتور علي جمعة أجازة إجراء العملية اللاتي فقدن عذريتهن "لأي سبب كان قبل الإقدام على الزواج" مؤكدا أنه أمر مباح. بينما يتبنى أخرون عدم جواز إجراء العملية لأنها تدخل تحت باب الغش والتدليس، أما الدكتورة سعاد صالح فقد صرحت بجواز التصدق بالمال لأجراء مثل هذه العمليات.

ولأننى لست متخصصة فى علوم الأسلام لذلك لن أناقش هنا إختلاف الأراء الدينية أو أحاول ترجيح رأى على أخر. ولكننى لدى سؤال متعلق بالشفافية فى العلاقة الزوجية "هل من حق الشباب المقبل على الزواج أو الأزواج والزوجات معرفة كل شئ عن علاقات الأخر قبل الزواج؟ " إذا كانت الأجابة " نعم أوحتى لا" فى الحالتين لن يحتاج السوق المصرى إلى غشاء صينى أو يابانى، ولكن نحتاج إلى مناقشة الموضوع كمشكلة إجتماعية ناتجة عن تطور المجتمع وتغير أساليب الحياة اليومية وإختلاف العلاقات ما بين أفراد المجتمع ، نحتاج إلى فهم وتحليل أسباب أقبال الشباب من الجنسين على مثل هذه العلاقات،وإدارك مقدرة الطرف الأخر على استخدام طرق لا حصر لهل لأخفاء الحقيقة والتضليل إلا أنه فضل المصارحة والمكاشفة وإقامة علاقة مبنية على الصدق والشفافية بدلا من العيش فى سلسلة لا نهائية من الأكاذيب. بالأضافة إلى ما سبق، نحتاج إلى نشر الأمن فى الشارع والبيت والمدرسة والجامعة ، وإلى إنشاء برامج تأهيلية لضحايا الأغتصاب تساعدهن على اجتياز الأزمة وبناء الثقة بالمجتمع من جديد ، كما نحتاج إلى تقبل الأخر وتفهم للأخطاء والنزوات والظروف الإجتماعية وكذلك نحتاج إلى تعلم كيفية الأعتراف بالخطأ وتحمل المسئولية الكاملة لتبعات أفعالنا، ساعتها سنتمكن من استيعاب وتطبيق معانى كلمات المسيح عليه السلام " من منكم بلا خطيئة يرمينى بحجر".

الخميس، 22 أكتوبر 2009

أمى ... رحيل بلا وداع




مر الأسبوع الثالث منذ وصولى إلى هذه الواقعة فى وسط المحيط الهندى. على الرغم من أننى لن أعمل فى عطلة نهاية الأسبوع ، إلا أننى إستيقظت مبكرةً ، شعورا داخلى يحثنى على الأتصال بالقاهرة ، الساعة لم تكن تتعدى الخامسة فجراً هناك .. أحاول الأنشعال بأى شئ ولكن فى حوالى الساعة السابعة صباحا بتوقيت القاهرة اشتد على هذا الشعور بالرغبة فى سماع صوت أمى .. أعلم أنها فى المستشفى ومن الصعب الأتصال بها . طلبت رقم عائلتى .. لا أحد يرد .. أحاول الأتصال مرة أخرى بلا فائدة .
استجابت لدعوة زملائى لعب التنس وتناول العشاء سويا ، لقد كنت غائبة لشهرين بعد إصابتى فى حادث، لا أشعر بالرغبة فى الخروج ولكننى لا أريد رفض الدعوة .. أحاول اللعب ولكنى أكتشف أننى لن استطيع تسديد الكرة .. الأصابة أكبر من أن تتعافى وتعود إلى سابق عهدها فى شهرين ... أنسحب وأكتفى بالتفرج وتشجيع الجميع ...
الساعة الرابعة والنصف بتوقيت القاهرة الثامنة مساءا بتوقيت سريلانكا، مكالمة دولية .. أخيرا لأحظ أحد محاولات الأتصال .. صوت عادل على الطرف الأخر ، لا تستدعى هذه الأسئلة أوالحوار إجراء مكالمة دولية ... أحاول استكشاف ما يخفيه بلا فائدة .. ينهى المكالمة بعد بضعة إسئلة عن أحوالى ..
أجلس فى الخارج ، تتصاعد أصوات الموسيقا من داخل المنزل ، الجميع يستمتعون بوقتهم ولكنى فى وادى أخر .. أحاول معرفة ما حدث .. أمسك بالهاتف .. أتصل بجميع أرقام أفراد عائلتى بلا فائدة .. لا أحد يكترث بالرد .. أحاول التحكم فى أعصابى .. أريد العودة للمنزل ولكن فى هذه المدينة تتوقف الحياة بعد السادسة .. من المستحيل وجود تاكسى بالشارع فى هذه الساعة .. أخيرا سأعود للمنزل لقد أنتهى العشاء وحكايات موظفى المؤسسات الدولية ..
لم أنتظر دخولى من الباب .. فتحت باب الحديقة وأنا أطلب رقم أخى .. جاء صوته حزينا على الجانب الأخر .. صوت شيخ يتلو القرأن فى الخلفية .. " إيهاب .. ماذا حدث ؟" كانت كلماتى الأولى .. أكد لى أن الأمور على مايرام .. أمى تتعافى وسترجع البيت بعد إيام ، لكن توفى والد صديقه وهو الأن فى العزاء ..
أجرى أتصل أخر مع أختى ، تذكر أن حالة أمى فى تدهور على عكس ما قاله أخى .. أثار تناقضهما الشك فى قلبى .. هل ماتت أمى ؟ أحاول أبعاد هذه الفكرة عن ذهنى .. لا أنها بخير وستتعافى .. أتذكر أنها منذ عدة سنوات مرت بأزمة صحية مشابهة .. ولكنها تعافت ..
لا أستطيع النوم ، يفصل بينى وبين القاهرة جبال وصحارى وبحور .. وسيلتى الوحيدة للتواصل هى الهاتف .. على أن اصدق كلام عائلتى .. أنها بخير .. فكرة موتها تهيمن على عقلى .. فى النهاية ، استسلم لم حدث .. لا أستطيع تقرير حياتى أو موتى .. كيف يكون الأمر بالنسبة لأمى لا أستطيع وهبها الحياة أوإبعاد شبح الموت عنها .. أستسلم لنوم عميق ..
الساعة العشرة صباحا بتوقيت القاهرة ، أتصل مرة أخرى بعائلتى ..يأتينى صوت وفاء أبنة خالى عبر الأسلاك .. بدون أى مقدمات أسالها عما حدث.. تحاول الأسترسال فى المقدمات التى توحى بأن هناك كارثة حدثت .. تتوسل لى أن أحاول الهدوء والتماسك ولكنها لم تكن تدرى أن صمتها ورجائها يحرق كل قطرة فى دمى .. كما يحُرق وقود السيارات ... أحاول أن أبدو هادئة.. نبرات صوتها توحى بما حدث ولكنى أحاول أبعاد هذا الخاطر " لا يمكن أن ترحل أمى دون أن أحتضن يديها وأكون بجوارها فى أخر لحظاتها فى هذا العالم " لقد كنت فى القاهرة منذ 3 اسابيع .. كانت على ما يرام .. ماذا حدث ؟ .. لماذا أختارت أن ترحل حينما أكون غائبة ؟ رحمة بى أم عقاب على هجرى؟
بعد تلقى النبأ .. ظهرت جميع الوجوه .. أخوتى يتناولون التليفون واحد بعد الاخر .. أبناء أخوالى وعمومتى ... لماذا لم يردوا حينما حاولت الأتصال بهم ..
كان أول الأتصال بعدما وصلهم خبر الوفاة .. كانوا ساعتها يدخلون المستشفى .. شعروا أن الخبر بطريقة ما قد وصلنى ، لذلك لم يكونوا يريدون تأكيد أو نفى الخبر .. حتى يعرفوا مصدرى.. لم يفطنوا أن المصدر هو إحساسى وصلتى بأمى والتى لم تنتهى بالولادة أو الفطام أو السفر والبعد ألاف الأميال.. أرتباطى بها مثل أرتباط جنين بأمه.. أخبرتنى ذات مرة أنها كانت تشعر بخوفى وانقباضى داخل رحمها حينما كانت هى نفسها تخاف من شئ.. لماذا لم استمع لهذا النداء الذى كان يدفعنى للعودة للوطن .. كذبت نفسى وصدقت أكاذيب عائلتى .. لم تكن على ما يرام .. ربما كانت روحها تغادر الأرض حينما رغبت بالأتصال، ربما بعثت لى برسالة الوداع .. فشعرت روحى أن على أن أودع أمى حتى لو عبر سماعة الهاتف ولكنى تراجعت بسبب الوقت المبكر ، فرحلت دون وداع ولكن على وعد بلقاء قريب فى عالم أخر.
ألاف الأميال ، ولكن على التماسك أمام عائلتى ، ماذا أفعل وحيدة فى أرض غريبة .. أسوء شئ حدث لى وانا وحيدة بل قريب أو صديق يواسينى .. فقدت القدرة على الحداد أو على الكلام أو الصراخ .. كان على أن أتماسك ، لم يعد هناك شئ يحثنى على العودة .. ماتت ودفنت أمى دون أن أكون جانبها.. الجميع يسأل عن أحوالى .. أجيب "كيف أحواك.. أننى بخير لا تقلق " اتصل بى زميلى فى العمل وهو لا يدرى كيف يواسينى.. فأذا به اساله على حاله وأرد نفس الجمل التى كنت أرددها لأسرتى " أننى بخير لا تقلقوا.. المهم انت عامل ايه".