الأحد، 25 أكتوبر 2009

تأملات فى الكذبة الصينية والأزدواجية المصرية

نجوان سليمان

منذ عدة أيام ، نشرت أحدى الصحف المصرية إعلان عن إتجاه شركة صينية لتوريد "غشاء بكارة صناعى" بتكلفة 15 دولارا للأسواق المصرية

لم تكن تلك المرة الأولى التى يطرح فيها موضوع ترقيع غشاء البكارة على الساحة، فقد طرح أكثر من مرة، بل تم تناوله فى عدد من الأعمال سينمائية مثل أفلام "إنذار بالطاعة ويا دنيا يا غرامى .. وغيرها "، إلا أن إعلان الشركة الصينية قد أثار مرة أخرى حالة من النقاش والجدل فى الشارع المصرى، بالطبع تمت مناقشته من زاوية إخلاقيات وعادات المجتمع المصرى والتحريض على ممارسة الرذيلة أو الستر وتجنب الفضائح . وعارضت الأغلبية هذا المنتج بشدة بوصفه تهديد للأخلاق ومحرض على الرذيلة ، أما الفئة المستهلكة المحتاجة لمثل هذه المنتجات فقد نأت بنفسها عن التعليق على الخبر. إلا أننى أود مناقشة هذا الموضوع من وجهة نظر مغايرة ، لا تهتم بتأييد فريق أو معارضة أخر ، ولا تسعى إلى تنصيب نفسها حارسا للعادات والتقاليد أو معارضتها. ولكن رؤية تدعو إلى تأمل الأوضاع الحالية والأزدواجية المتزايدة للمجتمع المصرى والتى أدت بالصينين إلى إبتكار" كذبة بيضاء " لمساعدة المصريين على الأستمرار فى الهروب من مواجهة الأشكاليات الإجتماعية والتذرع بالستر أو أى حجج واهية .

حينما قرأت هذا الخبر ، قفزت فى ذهنى صورة إجتماع رجال أعمال صينيين وعلماء أجتماع وأطباء وكذلك متخصص فى الشأن المصرى. بدأ المتخصصون فى شرح عادات الزواج فى مصر ، تبجيل المصريين لبكارة الأنثى بوصفها رمزاً لشرف العائلة ومعيار قبلى لمقدرة الذكور على حماية وإبعاد طالبى المتعة اللحظية عن أناثهن. كما أسهب فى وصف تداعيات فقدان البكارة وتأثيراتها النفسية والأجتماعية على الفتاة وعائلتها والتى بدورها قد لا تجد مفراً فى بعض الأحيان إلا غسل العار بالدم ، حتى دون محاولة التطرق أو معرفة أسباب فقدان البكارة سواء كان ذاك نتيجة التعرض لحادث فى الصغر أو إغتصاب أو إقامة علاقة جنسية خارج إطار الزواج أو أى سبب طبى أخر. ولم ينسى الخبراء الصينيون عرض فيلم تسجيلى يتضمن إعترافات سرية لفتيات مصريات . وفى النهاية، استعرض أحد المتخصصين أرقام وإحصائيات متعلقة بحوادث الأغتصاب التى وصلت إلى 20 ألف حالة سنويا وكذلك إحصائيات عن العلاقات خارج إطار الزواج ما بين طلبة الجامعات وأضاف أن هذه العلاقات بدأت فى الأنتشار ما بين طلاب المدارس الثانوية والأعدادية. وعرض أحد الأطباء الحل والذى يتمثل فى " غشاء بكارة صناعى " بتكلفة قليلة ومميزات جديدة . أما الخبير الأقتصادى فأنه قدر حاجة السوق المصرى بناء على هذه الدراسات والأحصائيات إلى مئات الألاف أو ربما ملايين من " الكذبة الصينية" .

ما أراه مثيراً للدهشة فى هذا الأمر هو إهتمام الصينيين بالأشكاليات الأجتماعية الموجودة فى المجتمع المصرى ، هذا الأهتمام النابع من الرغبة فى تحقيق أعلى مكسب مادى ممكن من السوق المصرى على وجه الخصوص والعربى بصورة عامة، فى المقابل أجد أن لا المكسب المادى ولا الخسارة الأجتماعية دفعت المجتمع المصرى لمناقشة المشكلة ، فمازال مجتمع النخبة والعامة يتجاهلون مناقشة تلك الأشكاليات و يستمرون فى دفن رؤوسهم بالرمال و الكذب على الذات، وهو ما أدى بالصينيين بمد يد المساعدة ب" كذبة بيضاء " تساعد المجتمع المصرى على الأستمرار فى إزدواجيته .

على الجانب الأخر ، أحاول فهم دوافع أى فتاة للأقبال على استخدام تلك الوسائل المنتشرة، ربما كانت واحدة من 20 ألف إمراة من ضحايا الأغتصاب، استغل ذئب بشرى غفلة المجتمع فاغتصبها ، وأجبرتها نظرة المجتمع إليها باعتبارها المسئولة الرئيسية عما حدث على التكتم وابتلاع مرارة الأحساس بالغدر والأمتهان فى صمت. والآن لا يجبرها فقط بالاستمرار فى الكتمان ولكن إيضا الكذب على رجل من المفترض أن يتشاركا سويا حياتهما، بهذا يكون المجتمع قد خذلها مرتين، المرأة الأولى حينما لم يوفر لها الأمن والثانية حينما حملها المسئولية ودفعها إلى المدارة والكذب على شريك الحياة. أو ربما تكون فتاة قد تعرضت لحادث خلال ممارسةالألعاب الرياضية. وعلى أسوء تقدير ، أنها فتاة مارست الجنس مع رجل دون أى علاقة زوجية أو بورقة زواج عرفى، وما يندرج تحت هذه الشريحة من قصص وسيناريوهات مختلفة: الولد استغل ساذجة البنت ، وعدها بالزواج ولكنه بعد ذلك خلع، البطالة وتكاليف الزواج ، كيف يتزوجها بعد ما حدث..إلخ. برأى أنه مهما اختلفت الأسباب ، فأن الرجل والمرأة فى مثل هذه العلاقات قد أختارا التمرد على التقاليد والعادات، ولذلك يجب عليهما تحمل مسئولية هذا التمرد. ومن البديهى أن تواجه تلك العلاقات المتمردة على التقاليد والعادات رفض ومعاداة المجتمع وكذلك مشاكل ومعوقات تؤدى فى الغالب إلى عدم قدرتها على الاستمرار. ولكن بعد الفشل الذريع ، يسعى الرجل للبحث عن إمراة بلا أى تجارب سابقة مع الرجل، كما أن المرأة تحاول الإيقاع برجل أخر بأى وسيلة متاحة والأرتباط به وتتفنن فى التمثيل وإيهامه بأنه الرجل الوحيد الذى دخل حياتها ، ولا مانع من استخدام أى وسيلة بدأ من حيل الدايات أو العمليات الجراحية أو حتى الكذبة الصينية. وفى بعض الأحيان، يتم ذلك بمعرفة وتوجيه أسر بعض الفتيات أو مساعدة بعض الأصدقاء.

وحتى الآن لم يستطيع رجال الدين حسم هذه المشكلة أو الأتفاق على حكم شرعى لترقيع غشاء البكارة ، فقد رأى المفتي الدكتور علي جمعة أجازة إجراء العملية اللاتي فقدن عذريتهن "لأي سبب كان قبل الإقدام على الزواج" مؤكدا أنه أمر مباح. بينما يتبنى أخرون عدم جواز إجراء العملية لأنها تدخل تحت باب الغش والتدليس، أما الدكتورة سعاد صالح فقد صرحت بجواز التصدق بالمال لأجراء مثل هذه العمليات.

ولأننى لست متخصصة فى علوم الأسلام لذلك لن أناقش هنا إختلاف الأراء الدينية أو أحاول ترجيح رأى على أخر. ولكننى لدى سؤال متعلق بالشفافية فى العلاقة الزوجية "هل من حق الشباب المقبل على الزواج أو الأزواج والزوجات معرفة كل شئ عن علاقات الأخر قبل الزواج؟ " إذا كانت الأجابة " نعم أوحتى لا" فى الحالتين لن يحتاج السوق المصرى إلى غشاء صينى أو يابانى، ولكن نحتاج إلى مناقشة الموضوع كمشكلة إجتماعية ناتجة عن تطور المجتمع وتغير أساليب الحياة اليومية وإختلاف العلاقات ما بين أفراد المجتمع ، نحتاج إلى فهم وتحليل أسباب أقبال الشباب من الجنسين على مثل هذه العلاقات،وإدارك مقدرة الطرف الأخر على استخدام طرق لا حصر لهل لأخفاء الحقيقة والتضليل إلا أنه فضل المصارحة والمكاشفة وإقامة علاقة مبنية على الصدق والشفافية بدلا من العيش فى سلسلة لا نهائية من الأكاذيب. بالأضافة إلى ما سبق، نحتاج إلى نشر الأمن فى الشارع والبيت والمدرسة والجامعة ، وإلى إنشاء برامج تأهيلية لضحايا الأغتصاب تساعدهن على اجتياز الأزمة وبناء الثقة بالمجتمع من جديد ، كما نحتاج إلى تقبل الأخر وتفهم للأخطاء والنزوات والظروف الإجتماعية وكذلك نحتاج إلى تعلم كيفية الأعتراف بالخطأ وتحمل المسئولية الكاملة لتبعات أفعالنا، ساعتها سنتمكن من استيعاب وتطبيق معانى كلمات المسيح عليه السلام " من منكم بلا خطيئة يرمينى بحجر".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق